الحكمة في عدم التصريح بذكر الدجال في القرآن الكريم..........

المسألة :
بيانها:

1- معنى المسيح .
سمي الدجال مسيحاً : 1- لأَن عينه مـمسوحة عن أَن يبصر بها ، وسمي عيسى مسيحاً : لأنّه اسم خصَّه الله به ، ولمسح زكريا إِياه .

وخـلق الله الـمَسِيحَيْنِ : أَحدهما ضد الآخر، فكان الـمسِيحُ بن مريم يبرىء الأَكمه والأَبرص ويحيـي الـموتـى بإِذن الله .

وكذلك الدجال يُحْيـي الـميتَ ويُمِيتُ الـحَيَّ ويُنْشِىءُ السحابَ ويُنْبِتُ النباتَ بإِذن الله . فهما مسيحان : مسيح الهُدَى ومسيح الضلالة.

قيل 2 : وقال الجوهري :[المسيح الدجال] : من قاله بالتخفيف فلمسحه الأرض ومن قاله بالتشديد فلكونه ممسوح العين .

قال ابن الأعرابي : وأما المسيحُ عيسى عليه الصلاة والسلام سمي مسيحاً ؛ لأنه كان لا يمسح بيده ذَا عَاهَةٍ إلا بَرَأ .
2- معنى الدجال.
الدجال هو : الذي يخادع ، ويلبس الأمور على الناس .

وسمي الدجال دجالا ؛ لأنه يغطي الحق بباطله ، أو لأنه يغطي على الناس كفره بكذبه وتمويهه وتلبيسه عليهم.

قال في النهاية : وأصل الدَّجْل الخَلْطُ يقال دجَّل إذا لَبَّسَ ومَوَّهَ ، ومنه الحديث يكونُ في آخر الزمان دَجّالون أي كَذَّابون مُمَوِّهُون،وقد تكرر ذكر الدّجال في الحديث وهو الذي يَظهرُ في آخرِ الزمانِ يَدَّعِي الأُلوهيَّة وفَعَّال من أبْنية المبالغة أي يَكْثُرُ منه الكَذِبُ والتَّلْبِيس .([1]).

وعن أبي هريرة t ،عن النبي e أنه قال : "لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله" .([2])

فالمسيح الدجال ليس بدعاً من الدجاجلة ، ولا هو أول دجال يظهر ، بل هو خاتم هذه القافلة الملعونة .

3- الحكمة في عدم التصريح بذكر الدجال في القرآن الكريم.
ولعل أحسن ما قيل في ذلك ما ساقه الحافظ ابن حجر العسقلاني ـ رحمه الله ـ في فتح الباري (13/98) حيث قال: "وأجيب بأجوبة :

أحدها: أنه ذُكر في قوله :{ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} الأنعام:158، فقد أخرج الترمذي وصححه عن أبي هريرة t رفعه " ثلاثة إذا خرجن لم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل: الدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها".

الثاني : قد وقعت الإشارة في القرآن إلى نزول عيسى عليه السلام في قوله ـ تعالى: { وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} النساء: 159، وفي قوله ـ تعالى (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) الزخرف: 61، وصح عنه أنه الذي يقتل الدجال، فاكتفى بذكر أحد الضدين عن الآخر، ولكونه يلقب: (المسيح) كعيسى عليه السلام؛ لكن الدجال مسيح الضلالة، وعيسى عليه السلام مسيح الهدى.

الثالث : أنه ترك ذكره احتقاراً.

4- هل ابن صياد هو الدجال
ابن صياد يقال له ابن صياد وابن صائد : هو رجل من يهود المدينة ، اسمه صاف ، كان شبيهاً بالدجال في كثير من صفاته ، وأمره مشكل ، فهل ابن صياد هو الدجال الذي يخرج آخر الزمان أم هو شخص آخر ، هذا أمر أشكل على العلماء فضلاً عن العامة .

وكان جابر بن عبد الله t قد حلف بالله تعالى أن ابن صياد هو الدجال وأنه سمع عمر t يحلف على ذلك ثم([3]) النبي e فلم ينكره النبي e .

وعن ابن عمر t أنه كان يقول : والله ما أشك أن ابن صياد هو المسيح الدجال([4]) .

5- بعض أحاديث عن الدجال.
1- فعن انس t أن النبي r قال: (إن أمام الدجال سنون خداعات يكذب فيها الصادق ويصدق فيها الكاذب ويخون فيها الأمين

ويؤتمن فيها الخائن ويتكلم فيها الروبيضة ) ولأبي هريرة : قيل وما الروبيضة؟ قال : الرجل التافه يتكلم في أمر العامة.

2- وعن أبي هريرة t أن النبي r قال : ( ثلاثة إذا خرجنا لم ينفع نفسا" إيمانها لم تكن آمنت من قبل :أ –الدجال ب- الدابة ج- طلوع الشمس من مغربها)

3- وعن النبي r أنه قال : ( ما بين خلق آدم عليه السلام الى قيام الساعة فتنة أعظم من فتنة الدجال)

6- حال الناس عند خروجه :
وعنه r أنه قال: "يخرج الدجال في خفة من الدين وإدبار من العلم ... .

وعن أبي هريرة t قال: سمعت أبا القاسم r يقول: يخرج أعور الدجال مسيح الضلالة قِبَلَ المشرق في زمن اختلاف الناس وفرقة، فيبلغ

وذكر ابن حجر : رحمه الله .في الفتح 13/98) ما أخرجه الحاكم من طريق قتادة عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد رفعه أنه "يخرج ـ يعني الدجال ـ في نقص من الدنيا وخفة من الدين وسوء ذات البين فيرد كل منهل، وتطوى له الأرض". فانظر ـ رعاك الله ـ إلى ضعف الدين وقلته في وقت خروجه.

7- الجساسة :
وفي حديث تميم الداري t عند مسلم : قال r في قصة تميم t : ... أَنَّهُ رَكِبَ فِى سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ مَعَ ثَلاَثِينَ رَجُلاً مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ فَلَعِبَ بِهِمُ الْمَوْجُ شَهْرًا فِى الْبَحْرِ ثُمَّ أَرْفَئُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِى الْبَحْرِ حَتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ فَجَلَسُوا فِى أَقْرُبِ السَّفِينَةِ فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ لاَ يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ فَقَالُوا وَيْلَكِ مَا أَنْتِ فَقَالَتْ أَنَا الْجَسَّاسَةُ. قَالُوا وَمَا الْجَسَّاسَةُ قَالَتْ أَيُّهَا الْقَوْمُ انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِى الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالأَشْوَاقِ. قَالَ لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلاً فَرِقْنَا مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً...

قِيلَ : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَجَسُّسِهَا الْأَخْبَار لِلدَّجَّالِ .

8- ومن فتنته :
1_ (( معه ملكان من الملائكة يشبهان نبيين أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله وذلك فتنة الناس فيقول : ألست بربكم أحي وأميت ؟ فيقول أحد الملكين : كذبت فما سمعه أحد من الناس الا صاحبه _أي الملك الآخر_ فيقول له صاحبه : صدقت وسمعه الناس فيحسبون أنه صدق الدجال وذاك فتنة )).

2- جاء في الحديث: "... وإن من فتنته أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك و أمك أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه و أمه، فيقولان: يا بني اتبعه فإنه ربك .

2_أنه (( معه نهران يجريان : أحدهما رأي العين ماء أبيض والآخر رأي العين نار تأجّج)).

3_أنه (( معه جبل خبز )) أي معه من الخبز قدر الجبل وأطلق الخبز وأراد به أصله وهو القمح .

4_ (( وأن من فتنته أن معه جنة ونارا" فناره جنة وجنته نار )) .

5_ (( ومن فتنته أمره للسماء بالمطر فتمطر ، وللأرض بأن تخرج كنوزها فتخرج ...))

6_ (( ومن فتنته تسليطه على رجل هو من خيار الناس يومئذ فيقتله ثم يحييه...)).

فيقع كل ذلك بقدرة الله تعالى ومشيئته ، ثم يعجزه الله تعالى بعد ذلك فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره ، ويبطل أمره ويقتله عيسى r ويثبت الله الذين آمنوا .

وفي الحديث الجامع :




1- وإن من فتنته أن يسلط على نفس واحدة فيقتلها ينشرها بالمنشار حتى تلقى شقين ، ثم يقول : انظروا إلى عبدي هذا فإني أبعثه ثم يزعم أن له ربا غيري ، فيبعثه الله و يقول له الخبيث : من ربك ؟ فيقول : ربي الله و أنت عدو الله أنت الدجال و الله ما كنت قط أشد بصيرة بك مني اليوم ;

2- و إن من فتنته أن يأمر السماء أن تمطر فتمطر و يأمر الأرض أن تنبت فتنبت ;

3- و إن من فتنته أن يمر بالحي فيكذبونه فلا يبقى لهم سائمة إلا هلكت ;

4- و إن من فتنته أن يمر بالحي فيصدقونه فيأمر السماء أن تمطر فتمطر و يأمر الأرض أن تنبت فتنبت حتى تروح مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت و أعظمه و أمده خواصر و أدره ضروعا ;

5- و إنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه و ظهر عليه إلا مكة و المدينة ..." الحديث.

الحديث رواه ابن ماجة . وضعف الألباني بعض فقراته . وصحح البعض الآخر .




--------------------------------------------------------------------------------

)1) "النهاية" (2/102) .

(2) أخرجه مسلم في "صحيحه" برقم (157) .

(1) ثم : أي عند .

(2) قال شيخ الإسلام ابن تيمية : عبد الله بن صياد الذي ظهر في زمن النبي e ، وكان قد ظن بعض الصحابة أنه الدجال ، وتوقف النبي e في أمره حتى تبين له فيما بعد أنه ليس هو الدجال ، لكنه كان من جنس الكهان ، قال له النبي e : "قد خبأت لك خبأ ، قال الدخ الدخ ، وقد كان خبأ له سورة الدخان ، فقال له النبي e : "اخسأ فلن تعدو قدرك" ، يعنى إنما أنت من أخوان الكهان ، والكهان كان يكون لأحدهم القرين من الشياطين يخبره بكثير من المغيبات بما يسترقه ، وكانوا يخلطون الصدق بالكذب ، كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره ، إن النبي e قال : "إن الملائكة تنـزل في العنان ، وهو السحاب فتذكر الأمر قضى في السماء فتسترق" ... الحديث .

وقال الحافظ ابن كثير في النهاية ، في باب ليس ابن صياد هو الدجال الأكبر ، وإنما هو أحد الدجاجلة الكبار الكثار ، قال العلماء : إن ابن صياد كان بعض الصحابة يظنه الدجال وهو ليس به ، وإنما كان رجلاً صغيراً .

ثم قال : والمقصود أن ابن صياد ليس بالدجال الذي يخرج في آخر الزمان قطعاً ؛ وذلك لحديث فاطمة بنت قيس الفهرية ، وهو فيصل في هذا المقام والله أعلم . اهـ .

(3) قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " 4 / 439 :ضعيف . أخرجه أحمد ( 3 / 367 ) و ابن خزيمة في " التوحيد " ( ص 31 - 32 ) والحاكم ( 4 / 530 ).نصه :

1969 - " يخرج الدجال في خفة من الدين و إدبار من العلم ، و له أربعون يوما يسيحها ، اليوم منها كالسنة و اليوم كالشهر و اليوم كالجمعة ، ثم سائر أيامه مثل أيامكم ، و له حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعا ، يأتي الناس ، فيقول : أنا ربكم و إن ربكم ليس بأعور ، مكتوب بين عينيه ك ف ر ، يقرأه كل مؤمن ، كاتب و غير كاتب ، يمر بكل ماء و منهل ، إلا المدينة و مكة ، حرمهما الله عليه ، و قامت الملائكة بأبوابها " .

(4) قال الشيخ الألباني "قصة المسيح الدجال" (ص55) ، قال الهيثمي: (7/349) : رواه البزار ، ورجاله رجال الصحيح ، غير علي بن المنذر ، وهو ثقة .

وقال الحافظ (13/85) : "إسناده جيد" . والأحاديث المصرحة بخروجه كثيرة . اهـ